المقاومة و الحب: مسارات للتحرير الفلسطيني
آمال بشارة
الترجمة إلى العربية: أيمن ح. حداد
واحد. ناشطة فلسطينية داخل أراضي ٤٨ تشرح كيف اعتقلتها الشرطة الإسرائيلية وقائياً قبل خروجها في تظاهرة. وأشارت بسخط إلى أن الشرطة جرّت والدها معها إلى مركز الشرطة، وأوضحت:
من المهم لي أن أقول إنهم يعتقلون الشابات مع آبائهن، وهذا يدل على النزعة الأبوية للاستعمار، وليس بوسعنا التفريق بين النزعة الأبوية والاستعمار. وهذا يُظهر شيئين: الشيء الأول أن إسرائيل تعرف أننا مجتمع أبوي وهي تسعى لاستغلال ذلك—مجتمع شرقي قروي وأبوي. وهي تسعى لاستغلال ذلك لجعلنا نشعر بالعار—ذلك أن والدي يعتقل بسببي. والعنصر الثاني من ذلك أن حكم إسرائيل يعزز تلك النزعة الأبوية. وإذا أردنا وصف نظام أبوي ونظام استعماري، فسنستخدم العبارة نفسها: فكلاهما يستخدم القمع [٦].
اثنان. في بيت لحم في صيف عام ۲۰۲۲، كتابة على جدار تَبرُز بين شعارات مكتوبة حول حركة فتح ورسومات جدارية تصور الكفاح: "الحب والمقاومة، كلاهما لا يرضى عنهما الكبار".
ثلاثة. عندما احتفلتُ أنا وزوجي بزفافنا في بيت لحم منذ أكثر من ۱۵ سنة، علّقت شقيقة زوجي، وهي قائدة نسائية في الضفة الغربية، "هذا أول زفاف بين مسيحية ومسلم لا يتخلله إلقاء حجارة!"
تربط هذه اللحظات الثلاث الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، القائم على أشكال مكثفة من التمييز العرقي واحتجاز الناس والممارسات العسكرية، بعلاقة مع النظام الأبوي كهيكل شامل (لكن غير كلي الحضور) ذات مؤسسات فلسطينية وإسرائيلية محددة. لقد تبيّن لنا منذ مدة طويلة كيف تستخدم إسرائيل النظام الأبوي في تجنيد المتعاونين، وانتزاع الاعترافات، وكذلك قمع المقاومة. وتُظهر القناعة التي أعربت عنها المتظاهرة الغاضبة كيف يعمل هذا الأمر حالياً، فهي تؤكد على وحدة كفاح الحركة النسائية والكفاح ضد الاستعمار، مرددة دعوة بأن بأن "قضية فلسطين هي قضية للحركة النسائية" [١٨] ظلت تبرز على امتداد عقود من النشاط السياسي [٢٥].
رغم أن الهياكل القائمة لا تتغير بسرعة إلا أن أفعالنا مهمة في تحقيق التغيير. وتُظهر الكفاحات النسائية الحالية أنه بوسعنا مقارعة النزعة الأبوية والاستعمار والاستبداد عبر العمل السياسي، العام منه والخاص. ويجب أن نحترم صيرورة التغيير، حتى في الوقت الذي ندرك فيه إلحاحية الثورة.
ينطوي أسلوب اعتقال المرأة تحت حماية رجل على زعم بأن الفلسطينيين يهتمون "بشرف" النساء—حسبما هو معرّف ضمن الإطار الأبوي—أكثر مما يهتمون بالحقوق الأساسية لجميع الفلسطينيين. ويتضمّن هذا الزعم تظاهراً بفهم الثقافة الفلسطينية في الوقت الذي يهزأ فيه بالمفاهيم العادية لحماية الأب ويقوضها: فالفلسطينيون يدركون بأنه نادراً ما يتمكن الوالدون من حماية أبنائهم من أخطار السجن. علاوة على ذلك، لا يمكن لمشاركة الأب أن تزيّن حقيقة أن إسرائيل منهمكة في اعتقال الناشطين قبل أن يفعلوا أي شيء، وهذا أسلوب تستخدمه إسرائيل بصفة دورية في المناطق الخاضعة للقانون المدني [١٣]، وذلك من بين أساليب قانونية عديدة من قبيل الاحتجاز الإداري الذي ينتهك المبادئ الأساسية للحقوق المدنية والسياسية [٢]. والاحتجاز الإداري هو سياسة موروثة من القانون الاستعماري البريطاني باعتقال الأفراد إلى ما يصل إلى ستة أشهر دون توجيه اتهامات ضدهم، وغالباً ما يُستخدم في الأراضي المحتلة.
إن استخدام الشرطة الإسرائيلية في القرن الحادي والعشرين لأساليب من قبيل اعتقال الآباء مع بناتهم ضد جيل شاب من الناشطين ومؤيد بوضوح للحركة النسائية قد يكون مخيباً للآمال—فكأننا نقاتل معارك القرن الماضي. ولكن علينا أن نستمر في التأكيد على أنه رغم أن الهياكل القائمة لا تتغير بسرعة إلا أن أفعالنا مهمة في تحقيق التغيير. وتُظهر الكفاحات النسائية الحالية أنه بوسعنا مقارعة النزعة الأبوية والاستعمار والاستبداد عبر العمل السياسي، العام منه والخاص. ويجب أن نحترم صيرورة التغيير، حتى في الوقت الذي ندرك فيه إلحاحية الثورة.
أما الكتابة على الجدار في بيت لحم فهي توجه النقد نحو الداخل. فمَن هم هؤلاء الكبار الذين يرفضون المقاومة ويرفضون الحب؟ ربما لم يسمِّ صاحب هذه الكتابة القيادة الرسمية خشية من تجريمه. وقد عملت الطبيعة المعادية للديمقراطية لنظام محمود عباس على استئصال الأمل والطاقة من الأجيال الجديدة في الكفاح. محمود عباس هو الرئيس الثاني للسلطة الفلسطينية؛ وهي مؤسسة أقيمت في عام ۱۹۹۴ على افتراض أنها ستقود—بحسب مناصريها—إلى تأسيس دولة فلسطينية، وحماية الشعب الفلسطيني وسيادته بعد طول انتظار. ولكن بعد زهاء ثلاثة عقود، باتت مهمة السلطة الفلسطينية تقتصر على إدارة الشؤون المدنية في جزر من المدن والبلدات، بينما تزهو هذه السلطة بجهاز شرطة قوي تستخدمه ضد شعبها. وعلى جبهة الديمقراطية، يبدو فشل السلطة الفلسطينية واضحاً: فقد انتُخب عباس عام ۲۰۰۵ لفترة رئاسة تمتد أربع سنوات، ولم تجرِ أي انتخابات رئاسية منذ ذلك الوقت. وثمة تعاون أمني مع إسرائيل يجرّم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي [٢٧]. المستمر ويترك الفلسطينيين مستضعفين أمام العنف الإسرائيلي . وتقمع السلطة الفلسطينية المعارضة الداخلية عبر الضرب والسجن [١٧]. ومن السهل أن نفهم لِمَ يبدو كل ذلك وكأنه صراع بين الأجيال: مجتمع يشكل الأفراد الذين تقل أعمارهم عن ۲۹ سنة ۶۹٪ من مجموع سكانه، بينما يبلغ سن عباس ۸۷ سنة [٢٨].
الشكل ۱. كتابة على جدار في بيت لحم في عام ۲۰۲۲، تقول "الحب والمقاومة، كلاهما لا يرضى عنهما الكبار". (صورة التقطتها آمال بشارة)
أو ربما لم تسمِّ الكتابة على الجدار القيادة الرسمية لأنها ليست الوحيدة بين الكبار الرافضين، فثمة عائلات فلسطينية عديدة حرمت الأفراد الذين يقعون في الحب من الأمل والمستقبل—سواء أكان ذلك لأنه حب بين شخصين من النوع الاجتماعي نفسه [٥] أو لاختلاف الانتماء الديني للشخصين المحبين، حسبما يدل ما علّقت به شقيقة زوجي، أو لأن الشخصين المحبين ينتميان إلى طبقات اجتماعية مختلفة. وتأتي المعارضة أحياناً بسبب تقاطعات دقيقة بين الدين والطبقة [١١]. ويؤكد صاحب هذه الكتابة على الجدار بأن هذين الحرمانين—من الحق بالكفاح والحق بالحب—مرتبطان ببعضهما.
لم يكن الأمر على هذا الحال دائماً. فقبل الانتفاضة الأولى وأثنائها في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كثيراً ما كانت قصص الحب وقصص المقاومة متضافرة ببعضها. فما الذي حدث لتقويض هذه التيارات؟ لقد عطلت اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي سياسات التحرر لمصلحة مشروع بناء الدولة؛ كما أنها استمالت الحركات النسائية الفلسطينية إلى عالم المنظمات غير الحكومية التي تعتمد غالباً على التمويل الأجنبي.
ومع بداية الانتفاضة الثانية في عام ۲۰۰۰، برز تصاعد في انعدام المساواة الاقتصادية داخل الضفة الغربية، كما تراجعت المشاركة الشعبية وتعاظم اليأس السياسي، مما عنى أن التوجه نحو الزيجات التي تخرق الحدود التقليدية، وحفلات الزفاف التي تتحاشى التكاليف المادية، استُبدلت غالباً بزيجات تلتزم بقيم تراتبية النوع الاجتماعي، وتجري عبر حفلات زفاف مكلفة [١٩]. وبحلول العقد الثاني من القرن الحالي، أغرى إضفاء قيم النيوليبرالية على اقتصاد السلطة الفلسطينية الناس بمشاريع إنشائية جديدة وسيارات جديدة بالكاد يسمح حجمها بالمرور في الطرق التي تختنق بالزحام الناجم عن نقاط التفتيش العسكرية، حتى في الوقت الذي استمر فيه الضيق الاقتصادي للعديد من الناس. وشكّلت هذه التوجهات التصورات المحيطة بالزواج والجدارة بالاحترام، وضيّقت حدود ما يُعتبر "اقتراناً ملائماً".
الخروج من أجل الندب والتعبئة
بوسع القيم الراسخة والأصيلة للاحتجاجات الفلسطينية أن تعمل ضد النزعة الأبوية وأن تدفع نحو التحرير. في عام ۲۰۱۹، قُتلت إسراء غريب على يد أفراد من عائلاتها بعد أن نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً فوتوغرافية تجمعها مع خطيبها [٣]. وكانت هذه الجريمة واحدة من ۲۳ جريمة قتل منزلي في الضفة الغربية وغزة ذهبت ضحيتها نساء فلسطينيات في عام ۲۰۱۹ ووثقتها منظمة هيومان رايتس ووتش [٧] ومركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي. وأسست ناشطات فلسطينيات حركة ’طالعات‘ احتجاجاً على مقتل إسراء.
تصدت حركة طالعات لتحديات فلسطينية متعددة، وأطلقت هتافات لم تقتصر على العنف ضد النساء، بل تناولت أيضاً الاحتلال الإسرائيلي [٢٢]. وكان من أبلغ هذه الهتافات:
عودة حرية
ثورة نسوية
عادة ما تتلخص مبادئ التحرر الفلسطيني ببضعة كلمات أساسية، كما هي الحال لحركة المقاطعة التي تطالب بالمساواة، وحق العودة، وإنهاء الاحتلال العسكري. ويوضّح شعار حركة طالعات كيف يندمج تحرر المرأة مع هذه القيم الأساسية.ارزشهای مرکزی همقافیه باشد.
الشكل ۲. نساء يجمعن حجارة تأهباً لمصادمات مع جنود إسرائيليين خلال تظاهرة جرت في ۲۵ شباط/ فبراير ۲۰۱۳ في بيت لحم في الضفة الغربية في فلسطين تضامناً مع السجناء الفلسطينيين. (صورة التقطها محمد العزة)
تصدت احتجاجات حركة طالعات لتشظي المجتمع الفلسطيني الذي فرضه الحكم الإسرائيلي، فقد جرت احتجاجات في مدن من قبيل حيفا ورام الله والقدس وغزة تغطي جميع أجزاء التشظي القانوني الذي فرضته إسرائيل في فلسطين التاريخية. وفي هذه الفضاءات، يعيش الفلسطينيون وفق أوضاع قانونية مختلفة. وحسب الحجة التي أقمتها في كتابي الصادر مؤخراً، وعنوانه ’اجتياز خط‘ [٦]، يزيد هذا التشظي من صعوبة الكفاح المشترك، كما يصعّب إقامة علاقات حميمة عادية. وتفرض إسرائيل قيوداً على العلاقات الحميمة لفرض هذا التشظي، لا سيما من خلال القانون الذي يمنع لم شمل العائلات، وهو قانون عنصري على نحو صارخ يجعل من العسير جداً على المواطنين الفلسطينيين والفلسطينيات في إسرائيل الزواج من فلسطينيين من الأراضي المحتلة إذا كانوا يريدون العيش في إسرائيل؛ كما أن أنظمة تأشيرات السفر والإقامة الإسرائيلية تقيد بشدة إمكانات الفلسطينيين والفلسطينيات المقيمين في الأراضي التي احتلت في عام ۱۹۶۷ الذين يريدون الزواج من شخص من الخارج مواصلة العيش في الأراضي المحتلة؛ وثمة أنظمة أخرى تقيّد الإقامة في إطار زواج الأفراد من سكان القدس بأفراد من سائر الأراضي المحتلة [٤; ١٠; ١٤; ١٥].
تجلّى التنوع الفلسطيني في احتجاجات حركة طالعات بطرق أخرى أيضاً، فلم تقتصر الاحتجاجات على المدن الفلسطينية من قبيل يافا وحيفا والقدس ورام الله، بل جرت أيضاً في بلدات وقرى أصغر من قبيل الجش وعرابة، كما جرت في تجمعات للشتات الفلسطيني من قبيل بيروت وبرلين. إن التحديات التي تواجهها الحركة النسائية الفلسطينية مميزة على امتداد هذه الفضاءات، كما هي التحديات أمام إظهار أي نوع من الجماعية الفلسطينية. ويُعد تأكيد حركة طالعات على الوحدة على امتداد هذه الفضاءات أمراً مذهلاً، ويشير إلى التكامل العميق للشعب الفلسطيني بعد ۷۵ عاماً على النكبة الأولى في عام ۱۹۴۸ التي أدت إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني.
إن التظاهرات في الشوارع مهمة بحد ذاتها لإنها تشبه العضلة: فعندما نستخدمها فإننا نتيح استخدامها في المستقبل. ولهذا السبب تنطوي حركة الاحتجاجات في إيران على وعد حتى عندما لا تقود مباشرة إلى تحقيق النتائج المنشودة. و الشارع هو المكان الذي نؤكد ونستكشف فيه جماعيتنا استناداً إلى تلاقي الحجة والتأثير. علاوة على ذلك، تجعل التظاهرات في الشوارع جماعيتنا مرئية للمشاركين فيها ولمن يشاهدونها ولأولئك الذين قد يرونها في وسائل الإعلام لاحقاً.
الشارع هو المكان الذي نؤكد ونستكشف فيه جماعيتنا استناداً إلى تلاقي الحجة والتأثير. علاوة على ذلك، تجعل التظاهرات في الشوارع جماعيتنا مرئية للمشاركين فيها ولمن يشاهدونها ولأولئك الذين قد يرونها في وسائل الإعلام لاحقاً.
وقد تكون التظاهرات في الشوارع ذات أهمية خاصة للحركات النسائية إذ أنها تساعد في مواجهة الافتراض بأن الدولة، أو الجهات الإنسانية الأجنبية، ستحمي النساء من عنف الرجال [١٣]. أما الخطاب السائد والأنظمة المؤسسية الموجهة لمناهضة "العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء" فقد "أصبح مدمجاً في المشاريع الإمبريالية والقمع الذي تمارسه الدول والتي تتناقض أهدافها مع المبادئ الأساسية للعدالة والكرامة التي تدفع بها الحركات النسائية" [١]. وعندما "نكشف عن الذُكورة في الدولة" [٨]، وعندما نتحدى حسن النوايا المزعوم للدولة [٢٤] ، فبوسعنا التشكيك في هذه الافتراضات. وعلى حد تعبير الناشطات اللاتي نظمن حركة طالعات:
إن الشرطة، وكما تعلم النساء في العالم، ليست حاميتنا أو حليفتنا؛ ناهيك عن الظروف التي تكون فيها الشرطة جزءاً من الهيكل الاستعماري الذي يتعامل مع الفلسطينيين كرعايا يجب مراقبتهم والسيطرة عليهم؛ سواء أكانت الشرطة الإسرائيلية، أو شرطة السلطة الفلسطينية التي تدربت على يد الأمريكيين ليكون دورها الرئيسي السيطرة على الفلسطينيين لمصلحة الدولة التي تستعمرنا [٢١].
إن حركة طالعات هي حركة قوية لأنها استجابة شعبية فلسطينية للمشاكل التي يطلق عليها الخارجيون مسميات مختلفة ويتصدون لها بطرق مختلفة، ولأن الحركة تنتج قوة شعبية نسائية لتحدي العنف ضد النساء. وثمة أسلاف مهمة لهذه الحركة، فقد ظلت النساء مشاركات وقائدات في الاحتجاجات ضد الحكم الاستعماري ذي الطابع الأوروبي منذ نشأته، ويواصلن التصدي للعنف الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية [١٢; ٢٣]. وعادة ما يكنّ في طليعة أنشطة المناصرة دفاعاً عن السجناء الفلسطينيين. ويخرج الناس في تظاهرات سنوية احتفالاً باليوم الدولي للمرأة، وهذه التظاهرات تثير الدهشة في مدن مثل مدينتي، بوسطن في الولايات المتحدة، حيث لا تكاد هذه المناسبة تثير أي اهتمام.
أحدثت حركة طالعات تحولاً أيضاً في الممارسات السياسية الفلسطينية الأخرى. ففي فلسطين، تقع الجنازات على تقاطع الندب والنزعة النضالية، كما كان حالها في السنوات المبكرة من أزمة مرض الإيدز في الولايات المتحدة [٩]. مع ذلك، فإن جنازات الشهداء—هؤلاء الذين يُقتلون في الكفاح الوطني أو نتيجة للعنف الإسرائيلي—هي ما يتحول في العادة إلى دعوة إلى العمل. ولا يُقَر بضحايا العنف المنزلي على هذا النحو في جنازاتهن. وتُظهِر احتجاجات حركة طالعات أن التقاليد الوطنية الفلسطينية التي تكرّم الضحايا الذين يسقطون في الكفاح يمكن أيضاً أن تكرّم النساء اللاتي يُقتلن نتيجة للظروف المنزلية.
الشكل ۳. نساء يهتفن في جنازة الشهيد باسل الأعرج في ۱۷ آذار/ مارس ۲۰۱۷ في قرية الولجة في الضفة الغربية في فلسطين. (صورة التقطها محمد العزة)
بيد أن بروز الاحتجاجات في الشوارع ضد قتل النساء يمثل عنصراً واحداً من كفاحنا، وثمة عناصر أخرى تبدو أكثر خصوصية. فكيف نعرض أمام الرأي العام أنواع القسر التي تأتي قبل حدوث اعتداء عنيف على امرأة، والقيود المعتادة على العلاقات التي تخرق ما أطلقت عليه الكاتبة أرونديتي روي "قوانين الحب" [٢٦]؟ لقد ساعدت حركة طالعات على جعل حماية حياة النساء من العنف المنزلي قضية عامة وجماعية. وبالمثل، تُعتبر الكفاحات من أجل الإقرار بالأفراد أحرار الهوية الجنسانية (كوير) وبحقوقهم في فلسطين حيوية وضرورية لحماية حياة الفلسطينيين. بيد أن التحديات التي نواجهها كفلسطينيين فيما يتعلق بالحب والازدهار الشخصي، وللأسف، أوسع كثيراً من ذلك. فيجب أن ننشغل بأشكال الحب والتحرير التي لا نتمكن حتى من أن نتطرق إليها لأن الرجل لم يتمكن من بناء منزل، أو لأن أولئك الذين يقعون في الحب ينتهكون حدود الدين أو الطبقة. لقد أصبحت "قوانين الحب" الخاصة بنا متواطئة مع الرأسمالية والاحتلال: إن ما مارسته إسرائيل من استلاب وما تفرضه من قيود على استخدام الأرض هو ما يجعل من المستحيل على العديدين بناء بيت. إن النزعة الأبوية والرأسمالية يخنقان المستقبل للرجال، وللنساء، وللآخرين جميعاً.
لقد فكر العديد من الفلسطينيين بالزواج وإنجاب الأطفال كدعم للقضية الوطنية من ناحية ديمغرافية [٢٠]. ولا يمكن اختزال القوة السياسية للحب بمجرد الزواج، ويجب أن نعثر على طرق للاحتفاء بأشكال الحب العديدة التي تبعث الحيوية بالمجتمع الفلسطيني ويجب توطيدها: الصداقة، والتراحم بين الأقارب، وروح الرفاقية التي تتشكل في الحياة السياسية والإبداعية (فرق الرقص والدبكات مثلاً)، والتي تمثل بعض أشكال الحب التي لها تشكيلات فلسطينية خاصة.
إن النزعة الأبوية والرأسمالية يخنقان المستقبل للرجال، وللنساء، وللآخرين جميعاً.
ثمة العديد من الناس حالياً يواجهون عقبات أمام بناء حياة ملؤها الحب والفرح وبشروطهم هم، وهذا يحبط الخيال والحماس والطاقة، وهي جوانب نحتاجها لبناء آفاق جديدة مفعمة بالحياة تبتدع أشكالاً جديدة من العلاقات بيننا كفلسطينيين. تنطوي تلك الكتابة على الجدار في بيت لحم على أمل بأننا عندما نكافح عبر الحب، ستصبح المقاومة أقوى. ففي فلسطين كما في الهند، "تتواصل الاحتجاجات العامة والمخالفات الخفية" وتتحدى السلطة السياسية القمعية [١٣]. ولعلنا نلتقي في الشوارع في احتجاجات ونخلق طرقاً عديدة للحب والسعي نحو التحرير.
REFERENCES
1. Abu-Lughod, Lila, Rema Hammami, and Nadera Shalhoub-Kevorkian. 2023. “Introduction: Circuits of Power in GBVAW Governance.” In The Cunning of Gender Violence: Geopolitics and Feminism, 1–51. Durham: Duke University Press.
2. Addameer Prisoner Support and Human Rights Association. 2017. “On Administrative Detention.” addameer.org, July. Accessed 21 September 2023. www.addameer.org/israeli_military_judicial_system/administrative_detention.
3. Alghoul, Diana. 2019. “#WeAreIsraa: Outrage as Palestinian woman 'tortured to death' in honour killing.” The New Arab, 31 August. Accessed 21 September 2023. www.newarab.com/news/man-tortures-palestinian-sister-death-honour-killing
4. Allabadi, Fadwa, and Tareq Hardan. 2016. “Marriage, Split Residency, and the Separation Wall in Jerusalem.” Jerusalem Quarterly 65 (Spring): 69–85.
5. Atshan, Sa’ed. 2020. Queer Palestine and the Empire of Critique. Palo Alto, CA: Stanford University Press.
6. Bishara, Amahl. 2022. Crossing a Line: Laws, Violence, and Roadblocks to Palestinian Political Expression. Stanford University Press.
7. Begum, Rothna. 2019. “The Deadly Toll for Palestinian Women.” hrw.org, 19 September. Accessed 21 September 2023. www.hrw.org/news/2019/09/19/deadly-toll-palestinian-women.
8. Brown, Wendy. 1992. “Finding the Man in the State.” Feminist Studies 18 (1): 7–34.
9. Crimp, Douglas. 1989. “Mourning and Militancy.” October 51: 3–18.
10. Daher-Nashif, Suhad, and Areen Hawari. 2023. “The Lived Experiences of Married Palestinian Women from the Occupied Territories of 1967 Residing within the ‘Green Line’.” AlMuntaqa 6 (2).
11. Deeb, Lara. 2020. “Beyond Sectarianism: Intermarriage and Social Difference in Lebanon.” International Journal of Middle East Studies 52 (2): 215–28. https://doi.org/10.1017/S0020743819000898.
12. Feldman, Ilana. 2023. “Feminist Trouble/s and Palestine.” Feminist Futures. https://www.rethinkingiran.com/feminist-futures/feminist-troubles-and-palestine-ilana-feldman.
13. Grewal, Inderpal. 2023. “Protest and the Security State: The Case of India.” Feminist Futures. https://www.rethinkingiran.com/feminist-futures/protest-and-security-state-india-inderpal-grewal.
14. Griffiths, Mark, and Mikko Joronen. 2019. “Marriage under Occupation: Israel’s Spousal Visa Restrictions in the West Bank.” Gender, Place & Culture 26 (2): 153–72. https://doi.org/10.1080/0966369X.2018.1551784.
15. HaMoked. 2022. “HaMoked to the Minister of Defense: The Revised Procedure for the Entry of Foreigners to the oPt Is Still Fundamentally Flawed and Must Be Frozen until It Is Amended.” HaMoked, September 14, 2022. https://hamoked.org/document.php?dID=Updates2327.
16. Hasson, Nir. 2016. “Israel Made Preemptive Arrest of Protester Against Jerusalem Marathon.” Haaretz, 18 March. Accessed 21 September 2023. www.haaretz.com/israel-news/2016-03-18/ty-article/.premium/israel-made-preemptive-arrest-of-protester-vs-jerusalem-marathon/0000017f-f384-d5bd-a17f-f7be630b0000.
17. Human Rights Watch. 2022. “Palestine: Impunity for Arbitrary Arrests, Torture.” hrw.org, June 30. Accessed 21 September 2023. www.hrw.org/news/2022/06/30/palestine-impunity-arbitrary-arrests-torture
18. Ihmoud, Sarah. 2022. “Palestinian Feminism: Analytics, Praxes and Decolonial Futures.” Feminist Anthropology 3 (2): 284–98. https://doi.org/10.1002/fea2.12109.
19. Johnson, Penny, Lamis Abu Nahleh, and Annelies Moors. 2009. “Marriage Arrangements and Celebrations in Two Palestinian Intifadas.” Journal of Middle East Women’s Studies 5: 3.
20. Kanaaneh, Rhoda Ann. 2002. Birthing the Nation: Strategies of Palestinian Women in Israel. Berkeley: University of California Press.
21. Marshood, and Riya Alsanah. 2020. “Tal’at: A Feminist Movement That Is Redefining Liberation and Reimagining Palestine.” Mondoweiss. 25 February. https://mondoweiss.net/2020/02/talat-a-feminist-movement-that-is-redefining-liberation-and-reimagining-palestine.
22. Mondoweiss. 2020. “Palestinian women in the feminist movement Tal’at protest femicide.” YouTube video, 1:35, posted by “Mondoweiss,” 25 February. www.youtube.com/watch?v=WTrYT1cURP4 (21 September 2021).
23. Office of the High Commissioner for Human Rights. 2022. “Women fight the push back of their rights in the occupied Palestinian territory.” ohchr.org. Accessed 21 September 2023. www.ohchr.org/en/get-involved/stories/women-fight-push-back-their-rights-occupied-palestinian-territory.
24. Osanloo, Arzoo. 2023. “Challenging Benevolence: What’s Revolutionary About Iranian Women’s Uprisings.” Feminist Futures. 2023. https://www.rethinkingiran.com/feminist-futures/challenging-benevolence-iranian-womens-uprisings-arzoo-osanloo.
25. Palestinian Feminist Collective. 2021. “Pledge that Palestine is a Feminist Issue.” Action Network. Accessed 21 September 2023. https://actionnetwork.org/petitions/pledge-declaring-palestine-is-a-feminist-issue.
26. Roy, Arundhati. 1997. The God of Small Things. New York: Harper Perennial.
27. Tartir, Alaa. 2017. “Criminalizing Resistance: The Cases of Balata and Jenin Refugee Camps.” Journal of Palestine Studies 46 (2): 7–22. https://doi.org/10.1525/jps.2017.46.2.7.
28. United Nations Fund for Population Activities. 2015. “What we do: Population matters.” unfpa.org. Accessed 21 September 2023. https://palestine.unfpa.org/en/node/22584.
عن المؤلفة
آمال بشارة هي أستاذة مشاركة في قسم الأنثروبولوجيا في جامعة تافتس، وألفت كتاب ’اجتياز خط: القوانين والعنف والحواجز أمام التعبير السياسي الفلسطيني‘ (مطبعة جامعة ستانفورد، ۲۰۲۲)، والذي يتناول الظروف المختلفة للتعبير للمواطنين الإسرائيليين من أصل فلسطيني وللفلسطينيين في الضفة الغربية. كما ألفت كتاب ’قصص خلفية: الأخبار في الولايات المتحدة والسياسات المعنية بفلسطين‘ (مطبعة جامعة ستانفورد، ۲۰۱۳)، وهو دراسة إثنوغرافية لإنتاج الأخبار في الولايات المتحدة أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وتكتب آمال بشارة أيضاً حول السياسات الشعبية المعنية باللاجئين في الضفة الغربية، وتتناول الكفاحات حول مجالات الإعلام والمياه والفضاء العام والاحتجاجات، ومن خلال هذه المجالات. تعمل أيضاً مع الشباب في ’مركز لاجئ‘ في مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، وشاركت في إصدار كتابين مزدوجي اللغة للأطفال، بما في ذلك ’أبجدية مخيم عايدة‘ (۲۰۱۴). شاركت أيضاً في إخراج الفيلم الوثائقي "التقط صورة لي" (۲۰۱۶). وهي رئيسية قسم الشرق الأوسط في جمعية الأنثروبولوجيا الأمريكية.